الليرة السورية.. كيف انتهى بها الحال على الميزان؟
قد تجدها مكدسة على بسطات الخضار بانتظار من يرتضي استبدالها ببضع دولارات. ومع انهيار قيمتها الشرائية، لا عجب أن ترى البعض مضطرًا لتخزين كميات كبيرة منها لشراء احتياجاتهم الأساسية. الملايين تُنقل بالعربات لتحويلها إلى مبالغ صغيرة بعملات أخرى.
الليرة السورية.. كيف انتهى بها الحال على الميزان؟
المائة جرام تعادل مائتي ألف ليرة سورية. هذا ليس معيارًا لقيمة الذهب أو الفضة في سوريا، بل هو معيار لمعرفة مقدار رزمة تبلغ مائتي ألف ليرة من فئة الألفين. نعم، فالأموال في سوريا باتت توزن ولا تعد.
مع الانهيار الحاد في قيمة العملة السورية وانخفاض القوة الشرائية لها، أصبح من الصعب على التجار عد المبالغ الضخمة التي يدفعها المستهلكون لشراء السلع المختلفة. على سبيل المثال، شراء غسالة أو تلفزيون في سوريا أصبح يتطلب حمل أكياس عديدة من الأموال من قبل المشتري، أما شراء قطعة أرض فيتطلب سيارة كاملة لنقل الأموال.
هل ولدت العملة السورية هكذا؟ أم كان لها تاريخ عريق شوهته الأحداث الاقتصادية والسياسية؟
كانت سوريا حتى الحرب العالمية الأولى خاضعة للحكم العثماني، وكانت الليرة العثمانية الذهبية والفضية هي العملة المتداولة. ومع سقوط الدولة العثمانية وفرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان عام 1920، أصبحت الليرة السورية اللبنانية العملة الأساسية في البلاد، وكانت تساوي مائة قرش وتعادل عشرين فرنكا فرنسيا.
في عام 1939، انفصلت الليرة السورية عن اللبنانية اسمياً مع بقائهما قابلتين للتداول في البلدين. وبالتزامن مع تحالف فرنسا وبريطانيا في الحرب العالمية الثانية، تم ربط الليرة السورية بالجنيه الإسترليني عام 1941، وكان سعر صرف الجنيه الإسترليني الواحد يعادل ثماني ليرات وثلاثة وثمانين قرشًا.
وبعد الاستقلال، وتحديدًا في عام 1947، اتبعت سوريا نظام الصرف الثابت وفقًا لاتفاقية بريتون وودز التي ثبتت سعر صرف العملات أمام الدولار بالذهب. بلغ سعر الدولار الواحد وقتها ليرتين وعشرين قرشًا. ومع انهيار نظام بريتون وودز عام 1971، تم ربط الليرة السورية بالدولار فقط، وحدد سعر الصرف بثلاث ليرات وخمسة وتسعين قرشًا.
خلال العقود التالية، شهدت الليرة انخفاضًا تدريجيًا في قيمتها حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار في عام 2006 عند سبع وستين ليرة. لكنها عادت لترتفع وتستقر قيمتها أمام الدولار عند ثماني وأربعين ليرة تقريبًا خلال الفترة من 2007 إلى 2010 نتيجة لسياسة الانفتاح التي اتبعتها سوريا وقتها.
ثم جاء عام 2011 ليشكل علامة فارقة في تاريخ العملة السورية. إذ شهدت الليرة على مدار ثلاثة عشر عامًا انهيارًا غير مسبوق، ليصل سعر الصرف أمام الدولار إلى 12,500 ليرة رسميًا و14,650 ليرة بالسوق السوداء في نهاية أغسطس 2024. هذا جعل أكبر فئة نقدية سورية وهي خمسة آلاف ليرة تعادل أقل من نصف دولار.
ووفقًا للخبراء، كان هذا الانهيار نتيجة حتمية لفقدان سوريا لمعظم مواردها. فقد تراجع الناتج المحلي للاقتصاد السوري من 60 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 6.2 مليارات دولار في عام 2023. كما بلغت خسائر قطاع النفط نحو 112 مليار دولار. تكبد القطاع الزراعي أيضًا خسائر بأكثر من 16 مليار دولار خلال السنوات الست الأولى من الأزمة. وتم تدمير 70% من قدرات البلاد الصناعية، و40% من البنية التحتية. وتراجعت عائدات السياحة بنسبة 98% منذ بداية الأزمة وحتى عام 2015.
نتيجة لانهيار قيمة الليرة، شهدت الأسواق السورية ارتفاعًا كبيرًا في أسعار غالبية السلع، إذ ارتفع تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 93% في عام 2023. وعلى الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور في فبراير 2024 إلى 280,000 ليرة، أي ما يعادل نحو 20 دولارًا، إلا أن هذه الزيادة ترجمت إلى نقصان أمام الانهيار الحاد في قيمة العملة، إذ كان الحد الأدنى للأجور قبل الأزمة السورية يعادل 300 دولار.
#سوريا #العملة_السورية